التَّفْسِيرُ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ} أَيْ: إِنَّ الَّذِينَ جَحَدُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَذَّبُوا رِسَالَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ} أَيْ: يَتَسَاوَى عِنْدَهُمْ {أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} أَيْ: سَوَاءٌ أَحَذَّرْتَهُمْ يَا مُحَمَّدُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَخَوَّفْتَهُمْ مِنْهُ أَمْ لَمْ تُحَذِّرْهُمْ {لَا يُؤْمِنُونَ} أَيْ: لَا يُصَدِّقُونَ بِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ، فَلَا تَطْمَعْ فِي إِيمَانِهِمْ، وَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ، وَفِي هَذَا تَسْلِيَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَكْذِيبِ قَوْمِهِ... ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى العِلَّةَ فِي سَبَبِ عَدَمِ الْإِيمَانِ فَقَالَ: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} أَيْ: طَبَعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يَدْخُلُ فِيهَا نُورٌ، وَلَا يُشْرِقُ فِيهَا إِيمَانٌ. قَالَ المُفَسِّرُونَ: الخَتْمُ التَّغْطِيَةُ وَالطَّبْعُ، وَذَلِكَ أَنَّ القُلُوبَ إِذَا كَثُرَتْ عَلَيْهَا الذُّنُوبُ طُمِسَ نُورُ البَصِيرَةِ فِيهَا، فَلَا يَكُونُ لِلْإِيمَانِ إِلَيْهَا مَسْلَكٌ، وَلَا لِلْكُفْرِ عَنْهَا مَخْلَصٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} [النِّسَاءِ: ١٥٥]. {وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} أَيْ: وَعَلَى أَسْمَاعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِطَاءٌ، فَلَا يُبْصِرُونَ هُدًى، وَلَا يَسْمَعُونَ وَلَا يَفْقَهُونَ وَلَا يَعْقِلُونَ، لِأَنَّ أَسْمَاعَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَأَنَّهَا مُغَطَّاةٌ بِحُجُبٍ كَثِيفَةٍ، لِذَلِكَ يَرَوْنَ الحَقَّ فَلَا يَتَّبِعُونَهُ، وَيَسْمَعُونَهُ فَلَا يَعُونَهُ. قَالَ أَبُو حَيَّانَ: شَبَّهَ تَعَالَى قُلُوبَهُمْ لِتَأَبِّيهَا عَنِ الحَقِّ، وَأَسْمَاعَهُمْ لِإِضْرَابِهَا عَنْ سَمَاعِ دَاعِي الفَلَاحِ، وَأَبْصَارَهُمْ لِامْتِنَاعِهَا عَنْ تَلَمُّحِ نُورِ الهِدَايَةِ، بِالوِعَاءِ المُخْتُومِ عَلَيْهِ، المَسْدُودِ مَنَافِذُهُ، المُغَطَّى بِغِشَاءٍ يَمْنَعُ أَنْ يَصِلَهُ مَا يُصْلِحُهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا كَانَتْ - مَعَ صِحَّتِهَا وَقُوَّةِ إِدْرَاكِهَا - مَمْنُوعَةً عَنْ قُبُولِ الخَيْرِ وَسَمَاعِهِ، وَتَلَمُّحِ نُورِهِ، وَهَذَا بِطَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ. {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} أَيْ: وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ لَا يَنْقَطِعُ، بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ وَإِجْرَامِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ.